في قلب الريف الأمريكي الهادئ، حيث تنساب الحياة بوتيرة بطيئة ومطمئنة، تقع بلدة فيليسكا بولاية أيوا. لكن في ليلة العاشر من يونيو عام 1912، تمزق ستار السكينة على وقع جريمة من أبشع الجرائم في تاريخ الولايات المتحدة، جريمة حوّلت منزلاً عائلياً دافئاً إلى مسرح دموي، وتركت وراءها لغزاً مستعصياً على الحل وأسطورة مرعبة يتناقلها الأجيال.
عائلة مور: نهاية مأساوية لحياة هانئة
كان جوزايا مور رجل أعمال ناجحاً ومحبوباً في مجتمعه، يعيش مع زوجته سارة وأطفالهما الأربعة: هيرمان (11 عاماً)، ماري كاثرين (10 أعوام)، آرثر (7 أعوام)، وبول (5 أعوام). في مساء التاسع من يونيو، عادت العائلة إلى منزلها بعد مشاركتها في الأمسية السنوية لكنيستهم، برفقة شقيقتين صغيرتين، لينا (12 عاماً) وإينا ستيلينجر (8 أعوام)، دعتهما ابنتهما كاثرين لقضاء الليلة في منزلهما. لم يكن أحد يعلم أن هذه الليلة ستكون الأخيرة في حياة ثمانية أشخاص، ستة منهم أطفال.
اكتشاف المذبحة
في صباح اليوم التالي، لاحظت جارة عائلة مور، ماري بيكهام، أن المنزل يلفه هدوء غريب وغير معتاد. لم يخرج أفراد العائلة لأعمالهم الصباحية، والستائر كانت لا تزال مسدلة. انتابها القلق، وبعد محاولات فاشلة لطرق الباب، استدعت شقيق جوزايا، روس.
ما وجده روس في الداخل كان مشهداً لا يمكن تصور بشاعته. في كل غرفة نوم، كانت تنتظر جثث هامدة. جوزايا وسارة في غرفتهما، والأطفال في غرفهم، جميعهم قُتلوا بوحشية باستخدام فأس يعود لجوزايا نفسه. لقد تم تهشيم رؤوسهم بقوة وعنف شديدين لدرجة أن وجوه بعضهم كانت غير قابلة للتمييز.
تفاصيل غريبة ومُحيّرة
لم تكن الجريمة مروعة في وحشيتها فحسب، بل في تفاصيلها الغريبة التي حيّرت المحققين وزادت من غموضها:
* وجوه مغطاة: وجد المحققون أن القاتل قام بتغطية وجوه جميع الضحايا بقطع من أغطية الأسرّة بعد أن فارقوا الحياة.
* المرايا المغطاة: تم تغطية كل المرايا والأسطح الزجاجية العاكسة في المنزل بالملابس.
* الفأس المتروك: تُرك الفأس، أداة الجريمة، في غرفة نوم الأختين ستيلينجر، وكان ملطخاً بالدماء وممسوحاً بشكل جزئي.
* ماء ووجبة: وجد في المطبخ وعاء من الماء الممزوج بالدم، مما يوحي بأن القاتل غسل يديه قبل مغادرته. وبجانبه، وُجد طبق من الطعام لم يُمس.
* لا سرقة: لم يُسرق أي شيء من المنزل، مما استبعد دافع السرقة.
تحقيقات بلا نتيجة
أثارت الجريمة حالة من الذعر والصدمة في فيليسكا والولايات المتحدة بأسرها. بدأت تحقيقات مكثفة، وظهر عدد من المشتبه بهم على مر السنين، لكن لم تتم إدانة أي شخص بشكل قاطع. من أبرز المشتبه بهم:
* القس جورج كيلي: قس مسافر غريب الأطوار كان في البلدة ليلة الجريمة وغادرها في الصباح الباكر. اعترف بالجريمة لاحقاً تحت ضغط الاستجواب، لكنه تراجع عن اعترافه وتمت تبرئته في محاكمتين.
* فرانك ف. جونز: رجل أعمال نافذ وعضو في مجلس الشيوخ عن الولاية، كان منافساً تجارياً لجوزايا مور. أشارت الشائعات إلى أنه ربما استأجر قاتلاً للتخلص من منافسه.
* ويليام مانسفيلد: يُعتقد أنه قاتل متسلسل ارتكب جرائم مماثلة في ولايات أخرى باستخدام فأس.
على الرغم من التحقيقات المستمرة والعديد من النظريات، بقي القاتل الحقيقي مجهولاً، ليتحول ملف "جرائم فأس فيليسكا" إلى واحد من أكثر الألغاز برودة وغموضاً في سجلات الجريمة الأمريكية.
منزل الرعب: إرث من الخوف
اليوم، يقف منزل عائلة مور شاهداً صامتاً على تلك الليلة المروعة. تم ترميمه ليبدو كما كان في عام 1912، وأصبح وجهة للباحثين عن الظواهر الخارقة والسياح الباحثين عن الإثارة. يزعم العديد من الزوار أنهم شعروا بوجود غريب، وسمعوا أصوات أطفال يبكون، وشاهدوا أجساماً تتحرك من تلقاء نفسها. أصبح المنزل، المعروف الآن باسم "منزل جرائم فأس فيليسكا"، رمزاً للرعب، وتذكيراً دائماً بأن بعض الأسرار قد لا تجد طريقها إلى النور أبداً، تاركةً خلفها جرحاً غائراً في ذاكرة بلدة هادئة، وليلة ظلماء لم تنجلِ أهوالها حتى الآن.
تاريخ النشر: 6/10/2025