إيقاع البروالي ودوره في فن الصنعة والشعبي الجزائري مع الشرح المفصل

البروالي هو أحد الإيقاعات الموسيقية التقليدية العريقة في منطقة المغرب العربي، ويتميز بتركيبته المركبة وحيويته. هو ليس مجرد إيقاع، بل هو نبض موسيقي يحمل في طياته روح الفرح والاحتفال.

• الوزن الإيقاعي: يُبنى إيقاع البروالي بشكل أساسي على وزن مركب هو 6/8 (ستة على ثمانية). هذا الوزن يمنحه إحساساً متأرجحاً ومميزاً، يختلف عن الإيقاعات البسيطة (مثل 4/4). في بعض الأحيان، يمكن أن يُعزف بشكل أسرع ليبدو كأنه 3/4، لكن الإحساس الأساسي الثلاثي لكل نبضة يظل قائماً.
• الشعور العام: يُعرف البروالي بطابعه الراقص والمرح. هو إيقاع "شعبي" بامتياز، يستخدم غالباً في المقاطع التي تتطلب طاقة وحيوية، مما يجعله مثالياً لموسيقى الاحتفالات والأعراس.
• الآلات: يُعزف تقليدياً على آلات الإيقاع المغاربية مثل الدربوكة (أو الدرباشة)، الطار، والبندير، مع إمكانية إضافة آلات أخرى كالقراقب في بعض السياقات.

تحديد الأصل الدقيق لإيقاع البروالي أمر صعب، كحال الكثير من عناصر التراث الشفهي. ومع ذلك، تشير المصادر والدراسات إلى جذوره العميقة في التراث الشعبي المغاربي، مع وجود نظريات متعددة:

• الأصول الريفية والشعبية: يُعتقد بقوة أن البروالي نشأ في الأوساط الريفية والشعبية، مرتبطاً بأغاني العمل، الاحتفالات الزراعية، والأعراس. كلمة "بروالي" نفسها قد تكون مرتبطة بكلمة "البروال" أو "البرولة"، وهي نوع من القصائد الشعرية المغناة في الشعر الملحون، والتي تتميز بطابعها الخفيف والراقص.
• التأثير الصوفي: بعض الباحثين يربطون بين حيوية البروالي والإيقاعات المستخدمة في الحضرات الصوفية (مثل حضرة عيساوة)، حيث تستخدم الإيقاعات المركبة لإحداث حالة من "الجذب" أو الوجد الروحي.
• التطور والتأثير المتبادل: من المؤكد أن البروالي، كغيره من الإيقاعات، تطور عبر قرون من التبادل الثقافي بين المناطق الحضرية (حيث الموسيقى الأندلسية) والمناطق الريفية (حيث الموسيقى الشعبية)، مما أدى إلى إثراء كل منهما للآخر.

في سياق موسيقى الصنعة (الموسيقى الأندلسية الجزائرية العاصمية)، يلعب إيقاع البروالي دوراً محدداً وهاماً، خاصة في أداء قطع الـ"مْخِيلص".

الـ "نوبة" الأندلسية هي عبارة عن متتالية من القطع الموسيقية والغنائية ذات الإيقاعات المختلفة. تبدأ النوبة عادة بإيقاعات بطيئة ووقورة (مثل البسيط أو الدرج)، ثم تتسارع تدريجياً. يأتي "المخيلص" كقطعة خفيفة وسريعة، وغالباً ما يُستخدم فيها إيقاع البروالي لتحقيق عدة أهداف:

• كسر الرتابة: بعد القطع الكلاسيكية الثقيلة، يأتي المخيلص بإيقاعه البروالي ليضفي جواً من الخفة والمرح، ويكسر رتابة الإيقاعات البطيئة.
• إظهار براعة العازفين: سرعة الإيقاع تتيح للعازفين، خاصة عازفي الكمان والمندولين، إظهار براعتهم وسرعتهم في أداء الجمل اللحنية المزخرفة.
• مقدمة للانصراف: غالباً ما يكون المخيلص من القطع التي تقترب من نهاية النوبة، فهو يهيئ المستمعين لنهاية الجلسة الموسيقية بجو من البهجة والنشاط.

لذلك، البروالي في الصنعة هو بمثابة استراحة مرحة وفاصل نشيط يجدد حيوية المستمعين ويعرض مهارات العازفين.

يعتبر إيقاع البروالي أحد الأعمدة الأساسية في موسيقى الشعبي الجزائري. لقد تبنى شيوخ الشعبي، وعلى رأسهم الحاج محمد العنقى، هذا الإيقاع من موسيقى الصنعة وأعطوه هوية جديدة تتناسب مع طابع الشعبي.

• الاستخدام: يُستخدم البروالي بكثرة في "الاستخبار" (المقدمة الآلية الحرة) كجزء إيقاعي سريع، وكذلك في المقاطع التي تفصل بين أبيات القصيدة، وفي الأجزاء الأخيرة من القصيدة لرفع الإيقاع وخلق جو من الحماس.
• دور الآلات: في جوق الشعبي، يأخذ البروالي بعداً آخر. فالدربوكة والطّار يضعان أساس الإيقاع، بينما يقوم الماندول (الآلة الرئيسية) والبانجو بعزف جمل لحنية سريعة ومزخرفة فوق هذا الإيقاع، مما يخلق حواراً موسيقياً غنياً بين الإيقاع واللحن.
• الهوية الشعبية: أعطى فنانو الشعبي للبروالي طابعاً أكثر "أرضية" وشعبية مقارنة باستخدامه في الصنعة. أصبح إيقاعاً يربط بين حكمة القصيدة وفرحة اللحن، وهو ما يميز فن الشعبي الذي يجمع بين الكلمة العميقة واللحن البهيج.

لفهم إيقاع البروالي بشكل عملي، لا يوجد أفضل من الاستماع إلى خبير يشرحه ويعزفه. في هذا الفيديو، يقدم السيد نذير فزاني، الخبير في الإيقاعات والدربوكة، شرحاً تطبيقياً لهذا الإيقاع الجميل.

جميع الحقوق محفوظة لقناة اليوتيوب: nadir fezzani.