الفنان أكرم ليتيم
بإشراف: أكرم ليتيم

فنان وباحث في التراث الشعبي الجزائري

في هذا الموقع، أقدم لكم شروحات دسمة ومحتوى احترافي. أستعين بالذكاء الاصطناعي كنقطة انطلاق، لكن كل معلومة تخضع لمراجعتي الدقيقة، مع استشارة مستمرة لمشايخ وفنانين مختصين لضمان الأصالة والموثوقية.

خط المقال

اختر الخط المفضل لديك للقراءة:

بومدين بن سهلة: أمير شعراء الملحون الجزائري وسيرة خالدة بين الحُب والثورة

سيرة الشاعر بومدين بن سهلة


في أعماق التراث الثقافي الجزائري، حيث تمتزج الكلمة بالنغم، وتتلاقى الأصالة مع الإبداع، يبرز اسمٌ كالعَلَم، نحت حروفه من ذهب في ديوان الشعر الشعبي أو ما يُعرف بـ "الملحون". هذا الاسم هو بومدين بن سهلة، الشاعر الذي لم يكن مجرد ناظم للقصيد، بل كان مؤرخًا بلسان شعبه، عاشقًا متيمًا، وثائرًا بكلمته، استطاع أن يخلّد اسمه كواحد من أعظم شعراء الملحون في المغرب العربي الكبير، وأمير متوّج على عرش هذا الفن في الغرب الجزائري.


إن الغوص في سيرة بومدين بن سهلة ليس مجرد تصفح لكتاب من الماضي، بل هو رحلة لاستكشاف روح عصر بأكمله، عصرٌ حافل بالتحولات السياسية، الاجتماعية والثقافية في الجزائر خلال القرن الثامن عشر الميلادي. من خلال قصائده، نلمس نبض الحياة في مدن مثل تلمسان ووهران، ونشعر بآلام العشاق، ونسمع صرخة المظلومين في وجه طغيان السلطة. هذا المقال المفصّل هو محاولة شاملة لإماطة اللثام عن كل جوانب حياة هذا الشاعر الفذ، منذ ولادته ونشأته، مرورًا بتكوينه العلمي والأدبي، وتحليل أبرز أغراضه الشعرية، وصولًا إلى إرثه الخالد الذي لا يزال حيًا في وجدان الجزائريين.


الجزء الأول: النشأة في قلب الغرب الجزائري - جذور الإبداع


الميلاد والنسب: في رحاب تلمسان العريقة


تتفق معظم المصادر التاريخية والأدبية، على رأسها ما جمعه الباحث الفرنسي "ألفونس شيربونو" (Alphonse Cherbonneau) في القرن التاسع عشر، وما أكده لاحقًا باحثون جزائريون مثل عبد القادر بن دعماش، أن الشاعر بومدين بن سهلة وُلد في أواخر القرن السابع عشر الميلادي، على الأرجح حوالي عام 1679م (أو ما يقاربه). كانت ولادته في منطقة "عين تاسا" أو "سبدو" الحالية، وهي منطقة لا تبعد كثيرًا عن مدينة تلمسان، عاصمة الزيانيين ومركز الإشعاع الحضاري والعلمي لقرون طويلة.


ينحدر بن سهلة من قبيلة "السويعد" (أو السويد)، وهي إحدى القبائل العربية الأصيلة التي استقرت في الغرب الجزائري. هذا النسب لم يكن مجرد معلومة عابرة، بل كان له أثر كبير في تكوين شخصيته التي اتسمت بالأنفة والاعتزاز بالنفس، وهي سمات ظهرت بوضوح في شعره، خاصة في قصائد الفخر والرد على خصومه. نشأ في كنف عائلة كريمة، وإن لم تكن من العائلات الحاكمة، إلا أنها كانت تحظى بمكانة محترمة، ما أتاح له فرصة الحصول على تعليم جيد في وقت لم يكن متاحًا للجميع.


بيئة ثقافية ودينية خصبة


لم تكن تلمسان والمناطق المحيطة بها مجرد أرض عادية، بل كانت بوتقة انصهرت فيها الثقافات. على الرغم من أن الحكم العثماني كان قد بسط نفوذه على الجزائر، إلا أن تلمسان احتفظت بالكثير من إرثها الزياني والأندلسي. كانت المدينة تعج بالمدارس القرآنية، الزوايا الصوفية، وحلقات العلم والأدب. في هذا الجو المشبع بالروحانية والمعرفة، تشرب بومدين الطفل واليافع أسس اللغة العربية الفصحى، وعلوم القرآن، والفقه، والتصوف.


كانت الزوايا، مثل الزاوية الدرقاوية وغيرها، تلعب دورًا محوريًا في الحياة الثقافية. ولم يكن شعر الملحون بعيدًا عن هذه الأجواء، بل كان جزءًا لا يتجزأ منها، حيث كان يُستخدم في مدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفي التعبير عن المقامات الصوفية والأخلاق. هذه البيئة المزدوجة، التي تجمع بين صرامة العلم الشرعي ورحابة الأدب الشعبي، هي التي شكلت لغة بن سهلة الشعرية الفريدة، القادرة على مخاطبة العامة والخاصة في آن واحد.


الجزء الثاني: رحلة التكوين والتحصيل العلمي - صقل الموهبة


الدراسة في تلمسان ووهران


انتقل بومدين بن سهلة في شبابه إلى مدينة تلمسان ليتعمق في دراسته. هناك، جلس إلى كبار علماء وشيوخ عصره، فنهل من علوم اللغة والبلاغة ما جعل ناصيته الشعرية قوية ومتمكنة. لم يكن شاعرًا فطريًا فحسب، بل كان عالمًا بقواعد اللغة وأسرارها، وهو ما يفسر قدرته الفائقة على تطويع الألفاظ، سواء كانت فصيحة أو من اللهجة الدارجة (العامية)، لخدمة أغراضه الشعرية.


بعد تلمسان، يبدو أن رحلته قادته إلى وهران، التي كانت في تلك الفترة تحت الحكم الإسباني قبل أن يحررها الباي محمد بن عثمان "الكبير" عام 1792 (وهو تاريخ يأتي بعد فترة حياة بن سهلة، مما يعني أنه عاصر فترة اضطرابات كبرى وصراع على المدينة). كانت وهران مدينة عالمية ومنفذًا بحريًا هامًا، مما جعلها مركزًا لتفاعل ثقافي مختلف. هذه التجارب بين أصالة تلمسان وانفتاح وهران النسبي، وسّعت من مدارك الشاعر وأغنت تجربته الإنسانية والشعرية.


إتقان فن الملحون: من الهواية إلى الاحتراف


شعر الملحون ليس مجرد كلام موزون، بل هو فن له أصوله وقواعده الصارمة، من بحور وأوزان وقوافٍ وأنماط بنائية محددة. وقد أتقن بن سهلة هذا الفن أيما إتقان. يُعتقد أنه تتلمذ على يد شعراء ملحون سبقوه، أو على الأقل تأثر بهم تأثرًا كبيرًا، مثل الشاعر سيدي لخضر بن خلوف، الذي يُعتبر من آباء الملحون المؤسسين، وإن كان يفصل بينهما قرن من الزمان، إلا أن إرثه كان حاضرًا بقوة.


برع بن سهلة في مختلف "طبوع" (أنماط) الملحون، وتمكن من النظم في كافة أغراضه، من الغزل العفيف، إلى المديح النبوي، مرورًا بالوصف، والهجاء، والشعر الاجتماعي والسياسي. لكن ما ميّزه عن غيره هو قدرته على إضفاء بصمته الشخصية على كل قصيدة. لم يكن مقلدًا، بل كان مجددًا، استطاع أن يطور في بنية القصيدة الملحونة ويطعمها بصور شعرية مبتكرة لم تكن مألوفة من قبل.


الجزء الثالث: بومدين بن سهلة الإنسان والشاعر - مرآة العصر


ملامح شخصيته في شعره


يكشف لنا شعر بن سهلة عن شخصية مركبة وعميقة. فهو من جهة، عاشق رقيق الحس، مرهف المشاعر، يذوب وجدًا وهيامًا في وصف محاسن محبوبته. ومن جهة أخرى، هو رجل ذو كبرياء وأنفة، لا يقبل الضيم، وشجاع في قول الحق ولو كان على حساب حريته وحياته. هذه الازدواجية بين الرقة والصلابة هي سر جاذبية شخصيته.


كان أيضًا واسع الثقافة، مطلعًا على التاريخ والقصص الشعبي، وهو ما وظفه ببراعة في شعره من خلال التلميحات والإشارات التاريخية والدينية. كان شعره مرآة صادقة لنفسه، بتناقضاتها وتقلباتها، وهذا الصدق هو ما جعله يلامس قلوب الناس على مر العصور.


الغزل والمرأة: المحور الأبرز في ديوانه


لا يمكن الحديث عن بومدين بن سهلة دون التوقف مطولًا عند شعره الغزلي، الذي يشكل الجزء الأكبر والأشهر من ديوانه. لقد تفنن في وصف المرأة، ولم يترك جزءًا من محاسنها الظاهرة أو صفاتها المعنوية إلا ووصفه وصفًا دقيقًا وبليغًا، حتى لُقّب بـ "أمير شعراء الغزل".


لكن غزله لم يكن حسّيًا مبتذلًا في مجمله، بل كان في كثير من الأحيان غزلًا عفيفًا، يرتفع بالمحبوبة إلى مصاف الكائنات السماوية. يصف عينيها، شعرها، قوامها، مشيتها، وحتى طريقة كلامها، بلغة تجمع بين جماليات التشبيه في الشعر العربي القديم وواقعية التعبير في اللهجة المحلية. من أشهر قصائده في هذا الباب قصيدة "فاطمة"، و"زينب"، و"عزة"، وغيرها الكثير من القصائد التي حملت أسماء نساء، قد يكنّ حقيقيات أو رموزًا للجمال الأنثوي المطلق.


كانت المرأة في شعره هي مصدر الإلهام والسعادة، ولكنها أيضًا مصدر الألم والعذاب حين تقسو أو تهجر. هذا التناقض جعل من قصائده الغزلية لوحات فنية متكاملة تصور كل مراحل الحب وتقلباته.


الشاعر الثائر: مقاومة الظلم والفساد


لم يكن بن سهلة يعيش في برج عاجي منعزلًا عن هموم مجتمعه. لقد عاصر فترة اتسمت باضطراب الحكم العثماني في الغرب الجزائري، وشهد فساد بعض البايات (الحكام) وجورهم. لم يسكت الشاعر على هذا الظلم، بل سخّر سلاح الكلمة لفضحه والتنديد به، في وقت كان فيه النقد المباشر للحاكم قد يكلف صاحبه حياته.


تُعتبر قصائده في الهجاء السياسي من أجرأ ما قيل في ذلك العصر. وجه سهام نقده اللاذع إلى "الباي مصطفى بوشلاغم" حاكم وهران، الذي عُرف ببطشه وجشعه. في قصائده، يصف بن سهلة الأوضاع المزرية التي وصل إليها الناس بسبب سياسات الباي، ويدعو عليه بالهلاك، معبّرًا بذلك عن لسان حال الشعب المقهور. هذه الجرأة стоила غاليًا، حيث تعرض للسجن والمضايقات، واضطر للهرب والتخفي في فترات من حياته. شعره السياسي هذا يجعله رائدًا من رواد شعر المقاومة في الأدب الجزائري.


الجزء الرابع: قصة "المرسم" - ذروة الإبداع المأساوي


إذا كان لكل شاعر قصيدة أيقونية تُلخّص تجربته وتخلّده، فإن قصيدة "المرسم" هي أيقونة بومدين بن سهلة بامتياز. هذه القصيدة ليست مجرد نظم شعري، بل هي ملحمة تراجيدية متكاملة، وقصة حب إنسانية خالدة، وتعتبر من أروع ما كُتب في شعر الملحون على الإطلاق.


سياق القصيدة: قصة حب مستحيلة


تروي القصيدة، كما تناقلتها الذاكرة الشعبية وشروحات الباحثين، قصة حقيقية عاشها الشاعر. أحب بن سهلة فتاة من قبيلة "بني عامر" تُدعى "عزة"، وبادلته الفتاة الحب. لكن أهلها رفضوا تزويجها له، ربما لأسباب قبلية أو مادية، وقاموا بتزويجها لرجل آخر من خارج المنطقة. بعد سنوات، وبينما كان الشاعر في ترحاله، مرّ بالديار التي كانت تسكنها حبيبته، فوجدها قد رحلت عنها وتحولت إلى أطلال مهجورة أو "مرسم".


تحليل فني ومضموني لـ "المرسم"


الوقوف على الأطلال هو تقليد شعري عربي أصيل يعود إلى العصر الجاهلي (كـ "قفا نبكِ" لامرئ القيس). لكن بن سهلة لم يقلّد هذا التقليد بشكل أعمى، بل أعاد إنتاجه بروح جزائرية محلية وبصدق عاطفي جارح. يمكن تقسيم القصيدة إلى عدة مراحل نفسية وفنية:


1. المقدمة والوقفة الطللية: يبدأ الشاعر بوصف "المرسم" (مكان الأثر أو المنزل المهجور) والوحشة التي تعتريه. يناجي المكان ويسأله عن صاحبته الغائبة، في حوار مؤثر بين الشاعر والجماد.


2. الاستحضار والذكريات (الفلاش باك): ينتقل الشاعر من الحاضر الكئيب إلى الماضي المشرق. يستحضر صورة محبوبته "عزة" بكامل بهائها وجمالها، ويصف بدقة متناهية تفاصيل لقاءاتهما والأحاديث التي كانت تدور بينهما. هذا الجزء من القصيدة يزخر بأجمل الصور الغزلية.


3. ذروة المأساة والشكوى: يعود الشاعر إلى الواقع المرير، واقع الفراق الأبدي. يصف لوعته وحزنه، ويشكو زمانه الذي فرّق بينه وبين حبيبته. تتجلى في هذا الجزء قدرته الفائقة على وصف المشاعر الإنسانية الأكثر عمقًا وألمًا.


4. التحدي والفخر: في نهاية القصيدة، وكعادته، لا يستسلم بن سهلة للحزن بشكل كامل. بل ينتفض بكبرياء، ويفتخر بشعره وبحبه الذي سيخلّده التاريخ، مؤكدًا أن قصته ستظل تُروى على مر الأجيال، بينما مصير أولئك الذين فرّقوا بينهما هو النسيان.


"المرسم" كأيقونة في الملحون


أصبحت قصيدة "المرسم" نموذجًا يُحتذى به في شعر الملحون، وتغنى بها كبار شيوخ وفناني الموسيقى الشعبية (الشعبي) والأندلسية في الجزائر، مثل الحاج محمد العنقى، والشيخ حمادة، وبلاوي الهواري، وغيرهم الكثير. إنها تمثل قمة النضج الفني والوجداني لبومدين بن سهلة، وتجسد عبقريته في تحويل تجربة شخصية مؤلمة إلى عمل فني إنساني خالد.


الجزء الخامس: الخصائص الفنية لشعر بن سهلة


تكمن عبقرية بن سهلة في مجموعة من الخصائص الفنية التي ميّزت شعره:


لغة شعرية جامعة: امتلك بن سهلة قدرة فريدة على المزج السلس بين اللغة العربية الفصحى الرصينة، واللهجة الجزائرية الدارجة في الغرب الجزائري. هذا المزج لم يكن عشوائيًا، بل كان يخدم السياق الشعري، فيستخدم الفصحى للتعبير عن المعاني الجليلة والحكم، ويستخدم الدارجة ليقترب من وجدان الناس ويصف تفاصيل الحياة اليومية بواقعية.


الصور البيانية والبلاغة: شعره غني بالاستعارات والكنايات والتشبيهات المبتكرة. كان يرسم بالكلمات، ويحول الأفكار المجردة والمشاعر إلى صور حسية ملموسة، مما يمنح شعره عمقًا وجمالًا استثنائيين.


البنية الإيقاعية والأوزان: كان "مهندسًا" للإيقاع. تلاعب ببحور الملحون وأوزانه ببراعة، مما جعل قصائده ذات جرس موسيقي مميز، سهلة الحفظ والإنشاد والغناء. وهذا أحد الأسباب الرئيسية لانتشار شعره الواسع وتحوله إلى أغانٍ شهيرة.


الجزء السادس: نهاية رحلة شاعر عظيم


الخلاف حول وفاته


كما هي الحال مع العديد من الشخصيات التاريخية، تحيط بعض الروايات المتضاربة بقصة وفاة بومدين بن سهلة.


الرواية الأولى: تقول إنه توفي وفاة طبيعية بعد أن بلغ من العمر عتيًا، حوالي عام 1769م، بعد حياة حافلة بالإبداع والمعاناة.

الرواية الثانية: وهي الأكثر درامية وتداولًا، تزعم أنه لم يمت ميتة طبيعية، بل قُتل بأمر من الباي مصطفى بوشلاغم، الذي لم يغتفر له قصائده الساخرة واللاذعة. تقول هذه الرواية إن الباي دبر له مكيدة وقتله غدرًا.


بغض النظر عن الرواية الصحيحة، فإن المؤكد أن بن سهلة ترك بصمة لا تُمحى، وأن نهاية حياته، سواء كانت طبيعية أو مأساوية، كانت تتويجًا لحياة غير عادية عاشها شاعر استثنائي. يُعتقد أنه دُفن في منطقة مسقط رأسه بالقرب من تلمسان.


الجزء السابع: الإرث الخالد لأمير الملحون


لم يمت بومدين بن سهلة بموته الجسدي، بل بدأت حياته الحقيقية في ذاكرة الأجيال. إرثه يتجلى في عدة جوانب:


تأثيره على شعراء الملحون اللاحقين: أصبح بن سهلة مدرسة شعرية بحد ذاته. سار على دربه وتأثر بأسلوبه عدد لا يحصى من شعراء الملحون الذين أتوا بعده في الجزائر والمغرب. كانوا يستلهمون من صوره الشعرية، ويقتبسون من قصائده، ويحاولون محاكاة قدرته على الجمع بين الغزل والثورة.


حضوره في الموسيقى الجزائرية: يُعتبر ديوان بن سهلة من أهم المصادر التي نهلت منها الموسيقى الجزائرية، خاصة فن "الشعبي" العاصمي، و"البدوي" و"العروبي" في الغرب الجزائري، وحتى الطرب "الأندلسي". قصائده "المرسم"، "فاطمة"، "يا اللايم"، "الخمرية" وغيرها، هي قطع أساسية في ريبرتوار كبار الفنانين الجزائريين، مما ضمن لشعره استمرارية وحياة متجددة.


ديوانه: رحلة الجمع والتوثيق: لأن شعر الملحون كان في معظمه تراثًا شفويًا يتناقله الحفاظ والرواة، فقد ضاع الكثير منه. لكن بفضل جهود الباحثين والمستشرقين في القرن التاسع عشر، مثل "شيربونو"، ومن ثم الباحثين الجزائريين في القرن العشرين، تم جمع وتدوين جزء كبير من ديوان بومدين بن سهلة، وحفظه من الضياع التام. ولا تزال هذه الجهود مستمرة لتوثيق وتحليل هذا الكنز الأدبي.


الخاتمة: شاعر لكل الأزمان


في الختام، يمكن القول إن بومدين بن سهلة لم يكن مجرد شاعر ملحون، بل كان ظاهرة ثقافية متكاملة. هو صوت الحب الصادق الذي يتحدى الأعراف، وهو صرخة الحق في وجه الجور. هو لسان الغرب الجزائري الناطق بجماله وتاريخه وآلامه. لقد استطاع بعبقريته الفذة أن يرفع الشعر الشعبي من مستواه المحلي إلى آفاق إنسانية رحبة، وأن يثبت أن "الملحون" قادر على التعبير عن أرقى المشاعر وأعمق الأفكار.


بعد مرور ما يقرب من ثلاثة قرون على رحيله، لا يزال شعر بومدين بن سهلة يُتلى ويُغنّى ويُدرس، ولا تزال قصائده تنبض بالحياة، شاهدة على سيرة شاعر عظيم، استحق عن جدارة لقب "أمير شعراء الملحون الجزائري".


---

المصادر والمراجع الأساسية للاستزادة:


1. أعمال عبد القادر بن دعماش (Abdelkader Bendameche): باحث وموسيقي جزائري، يعتبر من أهم المتخصصين في الملحون والموسيقى الشعبية الجزائرية. كتبه ومحاضراته مصدر أساسي للمعلومات حول بن سهلة.

2. أعمال أحمد أمين دلاي (Ahmed Amine Dellaï): باحث وأكاديمي جزائري متخصص في الأدب الشعبي، وله دراسات معمقة حول شعراء الملحون ومنهم بن سهلة.

3. كتابات ألفونس شيربونو (Alphonse Cherbonneau): المستشرق الفرنسي الذي كان من أوائل من اهتموا بجمع وتدوين شعر الملحون في الجزائر خلال القرن التاسع عشر.

4. ديوان بومدين بن سهلة: الطبعات المحققة التي جمعت قصائده المتناثرة وقدمت شروحات لها.

معلومات حقوق النشر

هذا العمل الأدبي يقع في الملك العام. موقع "البقراج" يقوم بجمع وحفظ ونشر هذا التراث الشعبي مع إضافة قيمة تحليلية ومعرفية له.

نشر وتحقيق: الفنان الشعبي أكرم ليتيم

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق