عمر الزاهي: أسطورة الشعبي، فيلسوف القصبة الذي غنى للحياة والموت
في بانثيون الموسيقى الجزائرية، هناك فنانون وهناك ظواهر. عمر الزاهي لم يكن مجرد فنان، بل كان ظاهرة ثقافية واجتماعية، أسطورة نسجت خيوطها من الصمت بقدر ما نسجتها من النغم. هو "عميمر"، كما يحلو لعشاقه أن ينادوه، الرجل الذي تحول إلى أيقونة ليس فقط بفضل فنه، بل بفضل فلسفته في الحياة، وزهده في عالم يقدس الأضواء. أن تكتب عن عمر الزاهي، فأنت لا تؤرخ لمسيرة فنان فحسب، بل تغوص في روح القصبة، وتفكك شفرات وجدان أمة بأكملها، وتستمع لنبض أجيال وجدت في صوته المبحوح وأوتار مندوله الحزينة مرآة لأحلامها، آلامها، وغربتها.
لم يكن الزاهي مجرد مؤدٍ لأغاني الشعبي، بل كان آخر فلاسفة هذا الفن، وريثًا شرعيًا لمدرسة الحاج محمد العنقاء، لكنه أضاف إليها بصمته الخاصة التي لا تخطئها أذن. بصمة قوامها البساطة التي تخفي عمقًا محيطيًا، والصدق الذي ينفذ إلى الروح دون استئذان. هذا المقال ليس مجرد سرد لسيرته الذاتية، بل هو محاولة متواضعة للدخول إلى محراب "الشيخ"، لفهم كيف استطاع رجلٌ هرب من الشهرة أن يصبح أشهر من نار على علم، وكيف تمكن فنان لم يظهر في التلفاز إلا نادرًا أن يحتل شاشات القلوب دون منازع، تاركًا خلفه إرثًا لا يزال يتنفس في أزقة الجزائر وشرايين محبيه.
الجزء الأول: من أعماق "الكاريار" إلى سماء الفن - النشأة والتكوين
الميلاد في إيغيل نزيم: الجذور القبايلية
في 1 يناير 1941، وفي قرية إيغيل نزيم الهادئة، التابعة لبلدية عين الحمام (ميشلي سابقًا) في قلب منطقة القبائل الكبرى، وُلد عمار آيت زاي. هذا الميلاد في عمق جبال جرجرة لم يكن مجرد تفصيل جغرافي، بل كان له أثر في تكوين شخصيته الصامتة، الصلبة، والمتجذرة في الأرض. كالكثير من أبناء منطقته في تلك الحقبة، هاجرت عائلته بحثًا عن الرزق إلى العاصمة، لتستقر في حي القصبة العتيق، تحديدًا في حي "الكاريار" (La Carrière)، وهو حي شعبي شكّل لاحقًا جزءًا من هوية الزاهي الفنية.
هذه الازدواجية بين الأصل القبائلي الأمازيغي الصارم، والبيئة العاصمية الشعبية المنصهرة، خلقت لدى الطفل عمار شخصية فريدة. لقد حمل معه صمت الجبال ووقارها، ليمزجه بصخب الحياة في أزقة القصبة الضيقة، وهو مزيج سيظهر لاحقًا في فنه: موسيقى شعبية عاصمية بروح تأملية عميقة.
القصبة: الجامعة الشعبية الأولى
إذا كانت لكل فنان جامعة تصقل موهبته، فإن جامعة عمر الزاهي الأولى والأهم كانت القصبة. لم تكن القصبة في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي مجرد حي، بل كانت عالمًا قائمًا بذاته. كانت بوتقة تنصهر فيها الحرف التقليدية، والنضال ضد المستعمر، والحياة الاجتماعية المتكافلة، والأهم من ذلك كله، كانت العاصمة الروحية لفن الشعبي.
في مقاهيها، وفي "السقيفات" (الأفنية الداخلية للبيوت)، كانت تُعقد جلسات الشعبي التي تستمر حتى الفجر. هناك، تشرب عمار الفتى هذا الفن مباشرة من مصادره الأصيلة. كان يستمع إلى أساطينه مثل الشيخ النcador، والحاج منور، والحاج مريزق، وبالطبع، كان يستمع إلى الأسطورة الأكبر الحاج محمد العنقاء، الذي كان بمثابة الأب الروحي للجميع. لم تكن دراسة أكاديمية، بل كانت دراسة بالمعايشة، بالإنصات، وبالتشبع الروحي. تعلم الزاهي أن الشعبي ليس مجرد نغم وكلمة، بل هو حالة ("بحال")، هو طقس اجتماعي له قدسيته، وهو فلسفة حياة. هذا الفهم العميق هو ما سيميزه لاحقًا عن الكثير من أقرانه.
البدايات الفنية وخيط القدر مع الشعبي
بدأ شغف الزاهي بالموسيقى في سن مبكرة. كغيره من شباب جيله، كانت آلة الجيتار هي رفيقته الأولى، قبل أن يعثر على ضالته الحقيقية في آلة المندول، الأداة التي أصبحت جزءًا من هويته، والتي كان يعاملها ككائن حي يحاوره ويناجيه. في بداية الستينيات، وبعد الاستقلال، بدأ يخطو خطواته الأولى في عالم الفن.
تقول الروايات إن الصدفة لعبت دورها. في عام 1963، قاده أحد الأصدقاء إلى مقهى كان يجتمع فيه الفنانون، وهناك التقى بالشيخ خليفة بلقاسم. أُعجب الشيخ بموهبة الشاب عمار وأتاح له فرصة تسجيل أولى أغانيه "يا جاهل الأخوان" و"يا العاذر"، لتُبث على أمواج الإذاعة الجزائرية. لكن نقطة التحول الحقيقية في مسيرته كانت لقاءه بالفنان الكبير بوجناح العنكيش، الذي ضمه إلى فرقته كعازف مندول. كانت هذه الفترة بمثابة تدريب عملي مكثف، تعلم خلالها أسرار المهنة وقواعد الأداء في الحفلات الشعبية.
الجزء الثاني: الرحلة الفنية - بناء الأسطورة بصمت
فترة السبعينات والثمانينات: الانفجار الصامت
شهدت فترة السبعينات والثمانينات بزوغ نجم عمر الزاهي بشكل لافت، لكنه كان بزوغًا من نوع خاص. لم يعتمد على الإعلام الرسمي أو الحفلات الكبرى، بل بنى شهرته عبر وسيط واحد: شريط الكاسيت. كانت تسجيلاته، التي غالبًا ما تتم في جلسات خاصة أو في استوديوهات متواضعة، تنتشر كالنار في الهشيم. كان كل شريط جديد له بمثابة حدث كبير ينتظره عشاقه.
في عام 1976، أصدر أسطوانتين مطولتين (33 دورة) تعتبران من كنوز الشعبي، تضمنتا قصائد خالدة مثل "الخاتم" و"ما بقالي والو". هذه التسجيلات الرسمية القليلة كانت كافية لتكريس اسمه، لكن شعبيته الحقيقية كانت تنمو في العالم السفلي للكاسيت المنسوخ، الذي كان ينتقل من يد إلى يد، ومن سيارة أجرة إلى مقهى، ومن حي إلى حي. كان انفجارًا صامتًا، شهرة "تحت أرضية" (Underground) بالمعنى الحقيقي للكلمة، صنعتها أذن الشعب مباشرة، بعيدًا عن أي توجيه أو ترويج إعلامي.
"الحفلات": المسرح الحقيقي لعمر الزاهي
لفهم ظاهرة عمر الزاهي، يجب تجاوز تسجيلاته الرسمية والغوص في عالمه الحقيقي: حفلات الأعراس والمناسبات العائلية. كانت هذه "الحفلات"، التي تستمر من المساء حتى بزوغ الفجر، هي المسرح الذي يفضله، والمحراب الذي يتجلى فيه فنه بأبهى صوره. لم تكن مجرد حفلات، بل كانت طقوسًا روحانية، جلسات للتطهير النفسي.
في هذه الجلسات، كان الزاهي هو السيد المطلق. يجلس على "السدة" (منصة منخفضة)، محاطًا بفرقته الصغيرة والمخلصة، وأمامه جمهور من العارفين و"الذواقة"، الذين لا يأتون للرقص، بل للإنصات والتأمل. هناك، كان يطلق العنان لإبداعه، يرتجل، يطيل المقاطع، ويغوص في القصيدة حتى يستخرج كل معانيها الخفية. كان يتفاعل مع جمهوره بشكل فريد، بنظرة، بإيماءة، بابتسامة نادرة. كانت هذه الحفلات هي مصدر رزقه الوحيد تقريبًا، لكنها كانت أيضًا مصدر إلهامه وتكريسه كأسطورة حية. التسجيلات غير الرسمية لهذه الحفلات، بجودتها المتواضعة، أصبحت هي الإرث الأكثر قيمة لدى محبيه، لأنها توثق "الحالة" الحقيقية لفن الزاهي.
الجزء الثالث: فلسفة الزاهي الفنية - تفكيك بصمة "عميمر"
صوتٌ من عالم آخر
صوت عمر الزاهي لم يكن صوتًا طربيًا بالمعنى الكلاسيكي، لم يمتلك حلاوة صوت فنان أندلسي أو قوة مغني أوبرا. كان صوته يشبه الحياة نفسها: مبحوحًا، متعبًا، حقيقيًا، ومفعمًا بالصدق. كان صوته هو صوت القصبة، صوت "الزوالية" (الفقراء)، صوت الحكمة الشعبية. عندما يغني الزاهي، فأنت لا تسمع مجرد أداء صوتي، بل تسمع تجربة حياة كاملة. كان يمتلك ما يسميه أهل الفن "البحال"، تلك الهالة أو الحالة الروحانية التي ينقلها للمستمع، وهي هبة نادرة لا تكتسب بالتدريب. كان صوته قادرًا على حمل أثقل المعاني وأكثرها حزنًا ببساطة تامة، وهذا هو سر وصوله المباشر إلى القلوب.
الانتقاء الشعري: الغوص في بحور الملحون
كان عمر الزاهي قارئًا نهمًا وباحثًا في تراث الشعر الملحون، وهو الشعر الشعبي المكتوب بالدارجة الجزائرية. لم يكن يغني أي كلام، بل كان يختار قصائده بعناية فائقة، وكأنه أمين مكتبة يختار أثمن المخطوطات. غاص في دواوين أعظم شعراء الملحون عبر العصور، من أمثال سيدي لخضر بن خلوف، ومحمد بن مسايب، وبومدين بن سهلة، وعبد الله بن كريو، وغيرهم.
كان ينجذب إلى القصائد ذات الطابع الفلسفي، التي تتناول مواضيع أزلية مثل الحب، الفراق، غدر الزمان، الصداقة، الموت، والزهد. قصائد مثل "الحراز"، "يوم الخميس"، "زينوبة"، "يا قاضي العار"، ليست مجرد أغنيات، بل هي دروس في الحياة.
كان يختار النص الذي يعكس قناعاته الشخصية، ثم يلبسه لحنًا بسيطًا ليجعل كل التركيز على قوة الكلمة ومعناها. بهذا، لم يكن مجرد مغنٍ، بل كان محييًا للتراث، ومعلمًا ينقل حكمة الأجداد إلى الأجيال الجديدة.
الأسلوب الموسيقي: بساطةٌ تصل إلى الجوهر
في وقت اتجه فيه بعض فناني الشعبي إلى التوزيعات الأوركسترالية الكبيرة، حافظ عمر الزاهي على أسلوب بسيط ومينيمالي يصل إلى حد التقشف. كانت فرقته صغيرة، تتكون من آلات الشعبي الأساسية: المندول، البانجو، الكمان، الدربوكة، والطار. لكن المحور الرئيسي كان حواره الخاص مع مندوله.
كان عزفه على المندول فريدًا من نوعه. لم يكن استعراضيًا أو بهلوانيًا، بل كان عميقًا وحميميًا. كانت "التقاسيم" (المقدمات الموسيقية) التي يعزفها بمثابة تأملات فلسفية، تمهيدًا للدخول في عوالم القصيدة. كان يستخدم الصمت ببراعة، فالصمت بين النوتات كان له معنى يعادل معنى النوتات نفسها. هذه البساطة المتعمدة لم تكن ضعفًا، بل كانت قمة القوة، إذ كانت تجبر المستمع على التركيز على جوهر الفن: الكلمة والشعور.
الجزء الرابع: الزاهد في محراب الفن - سر الابتعاد عن الأضواء
رفض الإعلام والنجومية
لعل الجانب الأكثر إثارة للجدل والدهشة في شخصية عمر الزاهي هو زهده المطلق في كل مظاهر الشهرة. منذ أواخر السبعينات، اتخذ قرارًا واعيًا وصارمًا بالابتعاد عن وسائل الإعلام. لم يجرِ أي حوار صحفي، ورفض الظهور في أي برنامج تلفزيوني، وقاطع المهرجانات الكبرى، بما في ذلك تلك التي كانت ستدر عليه أموالًا طائلة. الحوار التلفزيوني الوحيد المسجل له يعود إلى عام 1987 مع المخرج موسى حداد، وحتى هذا الحوار جاء في سياق فيلم ولم يكن لقاءً صحفيًا بالمعنى التقليدي.
هذا الاختفاء المتعمد في عصر الصورة والإعلام خلق حوله هالة من الغموض والقداسة، وحوّله من مجرد فنان إلى أسطورة حية. كلما ابتعد، كلما ازداد شغف الناس به، وكلما رفض الظهور، كلما ترسخت صورته في المخيلة الشعبية.
تفسيرات وأساطير
لماذا اختار الزاهي هذا الطريق؟ تعددت التفسيرات وتناقل الناس الأساطير. البعض يرى أنها قناعة دينية وفلسفية عميقة، رغبة في عيش حياة بسيطة كأي مواطن عادي، بعيدًا عن غرور الفن وفتنة الشهرة. البعض الآخر يرجعها إلى خجله الشديد وشخصيته الانطوائية. فريق ثالث يرى أنها كانت موقفًا فنيًا، حماية لقدسية فن الشعبي الذي يعتبره طقسًا لا يجب أن يُستهلك كسلعة في وسائل الإعلام التجارية. وهناك من يقول إن صدمة وفاة والدته وأخيه، اللذين كان شديد التعلق بهما، دفعته إلى المزيد من العزلة. ربما كان السبب مزيجًا من كل هذا. الأكيد أن هذا الزهد لم يكن تصنعًا، بل كان انعكاسًا صادقًا لشخصية رجل آمن بأن قيمة الفن تكمن في جوهره لا في بريقه.
فنان الشعب، بعيدًا عن الرسميات
من الخطأ الاعتقاد بأن ابتعاد الزاهي عن الإعلام عنى انعزاله عن الناس. على العكس، كان فنان الشعب بامتياز. كان يمكن لأي شخص أن يلتقيه في حي القصبة، أو أن يجلس بجانبه في مقهى "الحاج إسماعيل" أو مقهى "القوسطو". كان بسيطًا، متواضعًا، يستمع أكثر مما يتكلم. كان يعيش بين الناس، يشعر بنبضهم، ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم عبر إحياء حفلاتهم العائلية. كان فنانًا شعبيًا بالمعنى الحرفي للكلمة: من الشعب وإلى الشعب، دون أي وسطاء.
الجزء الخامس: صوت "الحراقة" والشباب - المرآة الاجتماعية
لم يكن عمر الزاهي فنانًا من الماضي يغني قصائد تراثية فحسب، بل كان صوته هو الأكثر تعبيرًا عن مآزق الحاضر، خاصة بالنسبة للشباب. في فترة الثمانينات والتسعينات، مع الأزمة الاقتصادية والأمنية، وجد الشباب الجزائري في أغاني الزاهي التي تتحدث عن "الغربة"، "الشكوى"، "الحقرة" (الظلم)، و"غدر الزمان"، صدى لصوتهم المكبوت. قصائد مثل "يا الغايب" أو "محبوب خاطري" التي تحمل لوعة الفراق، أو "لا إله إلا الله يا الحباب" بشكواها من الزمن، أصبحت النشيد غير الرسمي لجيل يشعر بالغربة داخل وطنه. ارتبط مناخ أغانيه الحزين واليائس بظاهرة "الحراقة" (الهجرة غير الشرعية)، لأنه كان الموسيقى التصويرية المثالية لمشاعرهم. لقد استطاع الزاهي، عبر نصوص شعرية قديمة، أن يلامس جروحًا آنية وعميقة، وهذا دليل على عالمية وعمق اختياراته الفنية.
الجزء السادس: الإرث الخالد - الزاهي الذي لا يموت
الرحيل وتشييع أسطوري
في 30 نوفمبر 2016، رحل عمر الزاهي عن عالمنا بعد صراع مع المرض. خبر وفاته نزل كالصاعقة على الجزائر. لكن جنازته كانت الدليل الأكبر على مكانته الأسطورية. خرج عشرات الآلاف من الجزائريين من كل الأعمار والطبقات الاجتماعية في موكب جنائزي مهيب لم تشهد الجزائر مثله لفنان من قبل. تحولت الجنازة إلى استفتاء شعبي على حب هذا الرجل. كان المشهد سرياليًا: الرجل الذي هرب من الأضواء طوال حياته، وجد نفسه عند مماته تحت أضواء محبة الملايين.
تأثيره على جيل الشعبي الجديد
ترك الزاهي مدرسة فنية متكاملة. الكثير من فناني الشعبي الشباب اليوم يسيرون على دربه، متأثرين بأسلوبه المينيمالي، باختياراته الشعرية العميقة، وبفلسفته في الأداء. فنانون مثل كمال عزيز وغيره يحاولون استلهام "روح" الزاهي في أدائهم. لقد أثبت أن الشعبي يمكن أن يكون فنًا تأمليًا وفلسفيًا، وليس مجرد فن للمناسبات، وهذا هو أهم أثر تركه في مسار هذا الفن.
حضور دائم في الذاكرة الجمعية
حتى بعد رحيله، لم يغب صوت عمر الزاهي. على العكس، ربما أصبح حضوره أقوى. لا تزال أغانيه تصدح في كل مكان في العاصمة وما حولها: في المقاهي الشعبية، في سيارات الأجرة، في بيوت القصبة، وفي هواتف الشباب. أصبح جزءًا من المشهد الصوتي للمدينة، رمزًا من رموزها الثقافية. لم يعد مجرد فنان، بل تحول إلى حالة من "الحنين" الدائم، صوت يذكر الجزائريين بزمن البساطة، وبقيم التواضع والصدق الفني.
الخاتمة: فيلسوف المندول الذي لا يغيب
في نهاية المطاف، يبقى عمر الزاهي لغزًا جميلًا وقصة فريدة في تاريخ الفن العالمي. قصة رجل امتلك كل أسباب النجومية لكنه اختار طريق الزهد، فنان حوّل الصمت إلى جزء من موسيقاه، والغياب إلى شكل من أشكال الحضور المطلق. لم يكن مجرد مغنٍ أو عازف، بل كان حكيمًا، فيلسوفًا شعبيًا استخدم المندول والقصيدة ليطرح أسئلة الوجود الكبرى.
لقد علّم الزاهي الأجيال درسًا بليغًا: أن الفن الحقيقي لا يحتاج إلى بريق الأضواء ليبقى، وأن الأثر الخالد يُصنع بالصدق لا بالضجيج. رحل "عميمر" جسدًا، لكن صوته وفلسفته باقيان، كشجرة زيتون عتيقة في قلب القصبة، جذورها ضاربة في عمق التراث، وأغصانها تظلل ذاكرة أمة بأكملها.
المصادر والمراجع الأساسية للاستزادة:
- شهادات فنانين وصحفيين جزائريين (مثل عبد القادر شاعو، الهادي ولد قابلية) في مقالات وحوارات بعد وفاته.
- أرشيف الصحافة الجزائرية الناطقة بالفرنسية (El Watan, Liberté) والعربية (الخبر، الشروق) التي غطت مسيرته ووفاته.
- أفلام وثائقية غير رسمية ومقابلات نادرة متاحة على منصات الفيديو.
- كتاب "Dictionnaire des musiciens et interprètes arabes" لمؤلفه صالح عربي.
- تحليلات وبحوث جامعية حول موسيقى الشعبي وتاريخها الاجتماعي في الجزائر.