الفنان أكرم ليتيم
بإشراف: أكرم ليتيم

فنان وباحث في التراث الشعبي الجزائري

في هذا الموقع، أقدم لكم شروحات دسمة ومحتوى احترافي. أستعين بالذكاء الاصطناعي كنقطة انطلاق، لكن كل معلومة تخضع لمراجعتي الدقيقة، مع استشارة مستمرة لمشايخ وفنانين مختصين لضمان الأصالة والموثوقية.

خط المقال

اختر الخط المفضل لديك للقراءة:

قصيدة ياأهل الهوى رحت مسلم مع الشرح المفصل

تحليل قصيدة يا أهل الهوى رحت مسلم

تحليل قصيدة "يا أهل الهوى رحت مسلم" للشيخ محمد بن مسايب: شرح مفصل بيتًا ببيت

قصيدة  ياأهل الهوى رحت مسلم

يعتبر الشيخ محمد بن مسايب (المتوفى حوالي عام 1768م) أحد أقطاب شعر الملحون في الجزائر، وشاعر تلمسان الأبرز الذي نسج بكلماته قصص الحب والعشق الإلهي والحكمة. قصيدته "يا أهل الهوى رحت مسلم" هي واحدة من أشهر أعماله التي يتغنى بها شيوخ الموسيقى الأندلسية والشعبية، وهي نموذج متكامل لفن الملحون، حيث تبدأ بالغزل ووصف لوعة الفراق، ثم تتدرج لتصف ليلة من ليالي الوصال، وتعرج على الحكمة، لتختم بالمديح النبوي الشريف، في رحلة روحية وعاطفية متكاملة. هذا المقال يقدم النص الكامل للقصيدة، متبوعًا بتحليل مفصل وشامل، بيتًا ببيت، في محاولة للغوص في أعماق هذه التحفة الفنية الخالدة.

النص الكامل لقصيدة "يا أهل الهوى رحت مسلم"

الحربة (اللازمة)

يا أهل الهـــــــــوى رحت مسلم ... روحي فنت أش دواهــــا

يا كريـــــم عجّل بلقـــــــــــاهـــا


يا أهل الهوى قلب العاشق ... ما يتهنى طول زمانــــه

تارة وجــــــده متقلـــق ... تارة يفيض غيوانــــه

اذا يهيج تقولوا احمـــــق ... مفضوح ضاهر كتمانــــه

ما بقي ضاهر ما نكتــم ... ليعتي تقوات عرفناهـا

ربي الكريم اعلا واعلـــم ... انشأ أدم قبل انشاهــا

يا كريـــم عجّل بلقــــاهـــــا


يا اهل الهوى قلب الهاوى ... ما ملك صبر أش يفيــــــده

به صفة البدر الضـاوي ... الغرام والبعد يزيــده

عذراء وسبت عـذراوي ... بعد الوصال اخذت يده

ما بينهم بالحق حكــم ... قاضي الغرام امضاهـــا

قال ما بقى من يتكلـــم ... حجة الوجوب اثبتناهـــــا

يا كريـــم عجّل بلقــــاهـــــا


يا اهل الهوى قلبي يهوى ... زينة النسب باهية الصورة

عذراء من الدنيا تســـوى ... ما في المدن المذكـــورة

شام وعراق وما حـــوى ... وطن اسطنبول مع مصــرة

من كل برعرب وعجـــم ... ومافي الجبال واوطاهــا

ماء البحور السبع واليــــم ... لو ينجازوا ما يسواوهــا

يا كريـــم عجّل بلقــاهــــا


يا أهل الهوى نهوى عذرا ... باهية جميلة مســـراره

خديها وشفتها حمــــراء ... وعيونها الغنج سكـــاره

والجبين يبان من الغـــــــــره ... يضوي ضي قمر الداره

والجيد بان بعقود ملثــم ... تحت الرقبة يا ما اعلاهــا

والبدن تقول ثلج راســـم ... والشفر كما الليل كساهــا

يا كريــــــم عجّل بلقـــاهـــــا


يا اهل الهوى ليلة البــــــــــارح ... مارايناها في ايام فاتـــــــوا

بايتين شمعنا يطافــح ... وكيوس لنا خذ و هاتوا

بايت بها خاطري فـــارح ... زاهي بحضرة مولاتــــوا

مابين عود والرباب ينغـــم ... والشبابة وصوت غناهــــا

والطار في لغته يسلــــم ... ويبايع لمن يراهـــــا

يا كريــــم عجّل بلقـــاهـــــا


يا اهل الهوى ذيك الليلــة ... ماننسا هاشي من بالـــي

صبت من هويت في تخبيلة ... بها شفت وزهى لي حالــــي

بتنا بغناء و تولو يلــة ... في لقاها الكاس حلالــي

فاز بالوصال وتنعــم ... من قيّـــل و بات معــــهـا

مايشاهد صهد جهنــــم ... محرر ولا هول يراهــا

يا كريــم عجّل بلقــــــــاهــــا


يااهل الهوى ما ننسى شـــــــي ... ليلة الفرج لو بعـــدت

طول الزمان اللي ماشــــــي ... تبقى في قلبي مازالـــت

يادرى دليلي يهناشــــــي ... بعدها ويبلغ ما قالـــــت

سعده من شرب كاس مختم ... من يدها و استغناهـــا

ودليلي باقي متحيطــم ... من صاب بالعين يراهـــا

يا كريـــــم عجّل بلقــاهـــــا


يا اهل الهوى من لاجرب ... ليلة الحب انهنــوه

ما فارق احبابه ماتغـــــــــــرب ... ماذاق محبه انخلـــــــوه

عاشق المحاســــــن يتعذب ... ما ينساهم لو يجفـــــوه

واحد متسلي متنعـــــم ... وانا مهلوك من هواهـــا

نهاري وليلي نخمـــم ... مهموم صابر لجفاهـــا

يا كريـــــم عجّل بلقـــاهـــــا


يا اهل الهوى من لا تفرج ... في قبر الحبيب مازهى شي

هانت له على الوفاء يدرج ... بعد الحوايف وتواشـــــــي

كمل الشغل داخل خـــــارج ... ضنيت قلبه يهوى شـــــــي

أش شاف في عمره واش غنم ... من لا تمتع بلقاها

خليه من الحب متيّــــم ... طول زمانه يتمناهــــــا

يا كريــم عجّل بلقــــاهــــــا


يا اهل الهوى قلبي تمـــــــنى ... ليلة اخرى بين احبابـــــه

بها يزول ذا الهانـــة ... يبرا ويرتاح شبابــه

في جورتهم الانسه و هنــــــــاء ... ماتشد عاشق عن بابه

من لا تلطف او تذمــم ... عند كل باب امواليهـــــــا

وطلب الله يموت مسلــــم ... بحرم الباتول وباباهـــــــا

يا كريـــــم عجّل بلقــــاهــــــــا


يا اهل الهوى من لا شاهد ... ليلة الفـــــــرج يا عمدا لــــــــه

ما بات بالحب مسهــــد ... غير من يتقوى مشعالـــــه

عقلــي و روحـــــي محمد ... ماشفيت من حسن جماله

الصلاة عليه وسلــــم ... قدر رمل الارض وحصاهــــــا

ونبات الارض وما يطعـــــم ... وما قطر مطر في سماهــــــا

يا كريــــــــم عجّل بلقـــــــــــاهــــــا


يا اهل الهـــوى قلبي تسلى ... بزيارة حبيب الخاطـــــر

سابغ الشفر كحل النجلــــه ... من به زاهي نتباشــــر

ماأحلا حديث اسمه ماأحلا ... عند الاسلام باديه وحضر

من به يبتعد جهنــــم ... سيد كل سيد شافعــــــها

جد الحسنين ابو القاســـــــــــم ... ابو فاطمـــــــة الزهـــراء طــــــه

يا كريــــم عجّل بلقـــــــــــاهــــــا


يا اهل الهوى تم نظامـــي ... في مدح الحسن الفايـــــــق

من عليه ثنيت اسلامـــي ... وعلى اهل النور الشــارق

طرزت رسمي و كلامـــي ... ماخفى على من هو عاشق

مازال في امره يتفهــــــم ... كاشف الرموز ومعناهـــــا

قال ابن امسايب لا تهتــــــــــــــم ... رحمة الجليل يترجاهــــا

وطلبت يميتني مسلـــــم ... بحرمه الباتول وباباهــــا

يا كريـــم عجّل بلقـــــــــــاهــــــا

الشرح والتحليل التفصيلي للقصيدة

الحربة (اللازمة)

يا أهل الهـــــــــوى رحت مسلم ... روحي فنت أش دواهــــا

يا كريـــــم عجّل بلقـــــــــــاهـــا

يبدأ الشاعر قصيدته باللازمة أو "الحربة"، وهي جوهر القصيدة ومفتاحها العاطفي الذي سيتكرر بعد كل مقطع. هذا النداء الافتتاحي "يا أهل الهوى" هو تقليد راسخ في شعر الملحون، حيث لا يخاطب الشاعر حبيبته مباشرة، بل يخاطب جماعة العشاق، وكأنه يطلب منهم الشهادة على حاله أو يشاركهم همه المشترك. ثم يعلن استسلامه الكامل بقوله "رحت مسلم"، وهي كلمة تحمل معنيين: الأول هو الاستسلام لسلطان الحب الذي لا يقاوم، والثاني هو معنى ديني، أي أنه سلّم أمره لله. ثم يصف حاله الميؤوس منه "روحي فنت أش دواهــا"، أي أن روحه قد هلكت وتلاشت، ويتساءل عن دوائها، وهو سؤال استنكاري يعرف إجابته مسبقًا: دواءه هو الوصال. ويختم بالدعاء المباشر لله "يا كريم عجّل بلقاها"، وهو مزج رائع بين العشق الدنيوي والتوجه الروحاني، فالحب في نظره ليس خطيئة، بل هو قدر يستدعي اللجوء إلى الله لتحقيقه.

المقطع الأول: وصف حال العاشق

يا أهل الهوى قلب العاشق ... ما يتهنى طول زمانــــه

تارة وجــــــده متقلـــق ... تارة يفيض غيوانــــه

اذا يهيج تقولوا احمـــــق ... مفضوح ضاهر كتمانــــه

ما بقي ضاهر ما نكتــم ... ليعتي تقوات عرفناهـا

ربي الكريم اعلا واعلـــم ... انشأ أدم قبل انشاهــا

الشرح التفصيلي:

في هذا المقطع، يشرع الشاعر في تشخيص دقيق لحالة "العاشق" كنموذج عام. "قلب العاشق ما يتهنى"، هذه حقيقة مطلقة في قانون الهوى، فلا راحة ولا استقرار لمن يسكن الحب قلبه. ثم يفصل هذه الحالة المتقلبة: "تارة وجده متقلّق، تارة يفيض غيوانه"، أي أن شغفه وحبه (وجده) يكون أحيانًا قلقًا ومضطربًا، وأحيانًا أخرى يفيض ويطغى (غيوانه) كالسيل الجارف. هذا التناقض بين القلق والفيضان هو جوهر معاناة المحب. ويصل به الأمر إلى درجة يفقد فيها السيطرة، "اذا يهيج تقولوا أحمق"، فعندما يثور حبه، يبدو في أعين الناس كالمجنون، وهنا تظهر فكرة "جنون العشق". ثم يؤكد أن محاولاته لإخفاء حبه قد باءت بالفشل: "مفضوح ظاهر كتمانه"، فأسراره أصبحت علنية، وما يحاول كتمانه يظهر رغماً عنه على ملامحه وسلوكه. ويعترف بالهزيمة الكاملة "ما بقي ظاهر ما نكتم، ليعتي تقوات عرفناها"، أي لم يعد هناك ما يمكن إخفاؤه، فقد اشتدت لوعته (ليعتي) وأصبحت حقيقة مسلمًا بها. ويختم المقطع بلمسة فلسفية قدرية عميقة: "ربي الكريم أعلى وأعلم، أنشأ آدم قبل انشاها". هنا، يربط حبه بمشيئة إلهية أزلية. فالله الذي خلق آدم، هو نفسه الذي خلق هذه المحبوبة، وبالتالي فإن حبه لها ليس مجرد نزوة، بل هو جزء من ترتيب كوني قديم، وهذا يمنح حبه شرعية وقدسية.

المقطع الثاني: قاضي الغرام

يا اهل الهوى قلب الهاوى ... ما ملك صبر أش يفيــــــده

به صفة البدر الضـاوي ... الغرام والبعد يزيــده

عذراء وسبت عـذراوي ... بعد الوصال اخذت يده

ما بينهم بالحق حكــم ... قاضي الغرام امضاهـــا

قال ما بقى من يتكلـــم ... حجة الوجوب اثبتناهـــــا

الشرح التفصيلي:

يواصل الشاعر وصف حال المحب، مؤكدًا نفاد صبره: "قلب الهاوي ما ملك صبر أش يفيده"، فالصبر لا يجدي نفعًا أمام قوة الهوى. ثم يصف محبوبته بأنها كالبدر المنير "به صفة البدر الضاوي"، وهذا النور يزيد من عذابه، فكلما زاد جمالها (الغرام) وبعدها عنه، زادت لوعته. ثم ينتقل إلى صورة درامية: "عذراء وسبت عذراوي، بعد الوصال أخذت يده". هنا يتخيل مشهدًا حيث أسرت هذه الفتاة العذراء شابًا عفيفًا مثلها (عذراوي)، وبعد أن منحته الوصال، أخذت بيده لتقوده إلى محكمة رمزية. هذه المحكمة يحكم فيها "قاضي الغرام"، وهو تجسيد مجازي لسلطان الحب. حكم هذا القاضي نافذ وممضي "قاضي الغرام أمضاها". وكان منطوق الحكم قاطعًا: "قال ما بقى من يتكلم، حجة الوجوب أثبتناها"، أي لا مجال للاعتراض أو الكلام، فقد ثبتت حجة الحب عليهما، وأصبح ارتباطهما واجبًا بقانون العشق الذي لا يرد. هذه الصورة تضفي على علاقتهما طابعًا شرعيًا وقانونيًا، ولكن ضمن "دولة الحب" وليس دولة البشر.

المقطع الثالث: قيمة المحبوبة

يا اهل الهوى قلبي يهوى ... زينة النسب باهية الصورة

عذراء من الدنيا تســـوى ... ما في المدن المذكـــورة

شام وعراق وما حـــوى ... وطن اسطنبول مع مصــرة

من كل بر عرب وعجـــم ... ومافي الجبال واوطاهــا

ماء البحور السبع واليــــم ... لو ينجازوا ما يسواوهــا

الشرح التفصيلي:

هنا ينتقل الشاعر من الحديث عن حاله إلى الحديث عن قيمة محبوبته التي تفوق كل كنوز الدنيا. هي ليست جميلة فحسب، بل "زينة النسب باهية الصورة"، فهي تجمع بين جمال الخلقة وشرف الأصل. ثم يبدأ في مقارنتها بكل ما هو ثمين في العالم ليثبت تفوقها: "عذراء من الدنيا تسوى ما في المدن المذكورة"، فهي تساوي أكثر من كل المدن الشهيرة بحضارتها وجمالها مثل "شام وعراق وما حوى، وطن اسطنبول مع مصرة". ولا يكتفي بالمدن، بل يضيف كل أراضي العرب والعجم "من كل بر عرب وعجم" وكل تضاريس الأرض من جبال وسهول "وما في الجبال وأوطاها". ويصل إلى ذروة المبالغة الشعرية الجميلة بقوله إن كل مياه البحار السبعة والمحيطات "ماء البحور السبع واليم" لو تم جمعها كثروة، فإنها لا تساوي قيمتها "لو ينجازوا ما يسواوها". هذه المبالغة المحببة تهدف إلى إظهار مدى تفرد هذه المحبوبة في عين الشاعر، وأنها هي كنزه الأوحد الذي لا يقدر بثمن.

المقطع الرابع: الوصف الجسدي للمحبوبة

يا أهل الهوى نهوى عذرا ... باهية جميلة مســـراره

خديها وشفتها حمــــراء ... وعيونها الغنج سكـــاره

والجبين يبان من الغـــــــــره ... يضوي ضي قمر الداره

والجيد بان بعقود ملثــم ... تحت الرقبة يا ما اعلاهــا

والبدن تقول ثلج راســـم ... والشفر كما الليل كساهــا

الشرح التفصيلي:

بعد أن وصف قيمتها المعنوية، ينتقل الشاعر الآن إلى وصف جمالها الحسي بدقة ورقة. هي "باهية جميلة مسرارة"، أي أنها جميلة وتدخل السرور على من يراها. ثم يبدأ بالتفاصيل: "خديها وشفتها حمراء"، وهو وصف كلاسيكي للجمال والصحة. "وعيونها الغنج سكّارة"، عيناها ليست مجرد عيون، بل هي مليئة بالدلال (الغنج) الذي يسكر الناظر إليها. "والجبين يبان من الغرّة، يضوي ضي قمر الدارة"، يصف جبينها المشرق الذي يظهر من تحت غرة شعرها، ويشبه نوره بضوء القمر المكتمل. ثم يصف عنقها "والجيد بان بعقود ملثم"، أي أن عنقها الجميل يظهر مزينًا بعقود تغطيه وتزيده جمالًا، ويتعجب من جمال رقبتها "تحت الرقبة يا ما أعلاها". ويصل إلى وصف جسدها ناصع البياض "والبدن تقول ثلج راسم"، أي كأنه ثلج متراكم لم تلمسه شمس. وأخيرًا، يصف شعرها أو رموشها "والشفر كما الليل كساها"، فشعرها أسود كالليل يغطيها ويبرز بياض بشرتها. إنه وصف حسي لكنه عفيف وجمالي، يرسم لوحة متكاملة للمحبوبة.

المقطع الخامس والسادس والسابع: ذكرى ليلة الوصال

في هذه المقاطع الثلاثة المترابطة، ينتقل الشاعر من الشوق والحرمان إلى ذروة السعادة، وهي تذكر ليلة وصل قضاها مع محبوبته. هذه الليلة ليست مجرد حدث، بل هي "الفردوس" الذي يتذكره ليعيش عليه.

المقطع الخامس: وصف أجواء الليلة

يا اهل الهوى ليلة البــــــــــارح ... مارايناها في ايام فاتـــــــوا

بايتين شمعنا يطافــح ... وكيوس لنا خذ و هاتوا

بايت بها خاطري فـــارح ... زاهي بحضرة مولاتــــوا

مابين عود والرباب ينغـــم ... والشبابة وصوت غناهــــا

والطار في لغته يسلــــم ... ويبايع لمن يراهـــــا

يصف ليلة البارحة بأنها ليلة فريدة لم ير مثلها من قبل "ما رأيناها في أيام فاتوا". يصف الأجواء المترفة: الشموع تفيض نورًا "شمعنا يطافح"، وكؤوس الخمر (الرمزية) تدور بينهم "وكيوس لنا خذ وهاتوا". كان قلبه سعيدًا ومبتهجًا "خاطري فارح، زاهي بحضرة مولاتوا". والأجواء كانت مليئة بالموسيقى، حيث العود والرباب والشبابة (الناي) تعزف وتغني، وحتى الطار (آلة الإيقاع) كان يشارك بلغته الخاصة، وكأنه يسلم ويبايع جمال المحبوبة.

المقطع السادس: جزاء من عاش تلك الليلة

يا اهل الهوى ذيك الليلــة ... ماننسا هاشي من بالـــي

صبت من هويت في تخبيلة ... بها شفت وزهى لي حالــــي

بتنا بغناء و تولو يلــة ... في لقاها الكاس حلالــي

فاز بالوصال وتنعــم ... من قيّـــل و بات معــــهـا

مايشاهد صهد جهنــــم ... محرر ولا هول يراهــا

يؤكد أن هذه الليلة لا يمكن أن ينساها "ما ننساهاشي من بالي". وجد حبيبته في "تخبيلة"، وهي كلمة قد تعني أنها كانت في زينة خاصة أو في حالة من الدلال. وبهذا اللقاء، سعدت حاله "زهى لي حالي". قضيا الليلة في الغناء والبهجة "بتنا بغناء وتلويلة"، وفي حضورها، أصبح كأس الخمر (كأس الحب) حلالًا. ثم يعلن أن من يفوز بمثل هذا الوصال، فإنه قد فاز بالنعيم الأبدي، لدرجة أنه "ما يشاهد صهد جهنم، محرر ولا هول يراها". هنا يربط الشاعر بين نعيم الوصل الدنيوي والنجاة من عذاب الآخرة، في تعظيم كبير لقيمة الحب والجمال.

المقطع السابع: أثر الذكرى

يااهل الهوى ما ننسى شـــــــي ... ليلة الفرج لو بعـــدت

طول الزمان اللي ماشــــــي ... تبقى في قلبي مازالـــت

يادرى دليلي يهناشــــــي ... بعدها ويبلغ ما قالـــــت

سعده من شرب كاس مختم ... من يدها و استغناهـــا

ودليلي باقي متحيطــم ... من صاب بالعين يراهـــا

يسمي تلك الليلة بـ "ليلة الفرج"، أي ليلة الخلاص من عذاب الشوق. ويؤكد أنها ستبقى خالدة في قلبه مهما مر الزمن. لكنه يعود إلى الحاضر المؤلم، فيتساءل بحرقة: "يا درى دليلي يهناشي بعدها؟"، هل سيعرف قلبي الراحة بعد تلك الليلة؟ ويعود ليتغنى بسعادة من شرب من كأس الحب من يدها، لكنه يصف حاله الآن "ودليلي باقي متحيطم"، أي أن قلبه محطم، ويتمنى لو يستطيع رؤيتها مرة أخرى ولو بمجرد النظر "من صاب بالعين يراها".

المقاطع الثامن والتاسع والعاشر: الحكمة والتأمل في حال العشاق

في هذه المقاطع، ينتقل الشاعر إلى مستوى من الحكمة والتأمل، مقارنًا حاله بحال الآخرين، ومنتقدًا من لا يعرفون قيمة الحب الحقيقي.

المقطع الثامن: مقارنة بين العاشق والخالي

يا اهل الهوى من لاجرب ... ليلة الحب انهنــوه

ما فارق احبابه ماتغـــــــــــرب ... ماذاق محبه انخلـــــــوه

عاشق المحاســــــن يتعذب ... ما ينساهم لو يجفـــــوه

واحد متسلي متنعـــــم ... وانا مهلوك من هواهـــا

نهاري وليلي نخمـــم ... مهموم صابر لجفاهـــا

يقول إن من لم يجرب لوعة الحب، يجب أن نهنئه على راحته، فهو لم يعرف ألم الفراق أو الغربة أو هجر الحبيب. لكنه يرى أن هذه الراحة هي فراغ، فالحياة الحقيقية هي في تجربة الحب، حتى لو كانت مؤلمة. "عاشق المحاسن يتعذب"، هذا هو قدره، فهو لا ينسى أحبابه حتى لو عاملوه بالجفاء. ثم يقارن بين حاله وحال الآخرين: "واحد متسلي متنعّم، وأنا مهلوك من هواها"، فهناك من يعيش في راحة، بينما هو يهلكه حبها. ويختم بوصف حاله الدائم من التفكير والهم والصبر على جفائها.

المقاطع الأخيرة (11، 12، 13، 14): التحول إلى المديح النبوي والختام

وهنا يحدث التحول الأهم في القصيدة، وهو السمة المميزة لشعر الملحون الديني. ينتقل الشاعر من الغزل الدنيوي إلى الحب الأسمى، حب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن كل ما سبق من عشق ولوعة كان مجرد جسر للوصول إلى هذا المقام الأعلى.

المقطع الحادي عشر: الانتقال إلى الحبيب الأعظم

يا اهل الهوى من لا شاهد ... ليلة الفـــــــرج يا عمدا لــــــــه

ما بات بالحب مسهــــد ... غير من يتقوى مشعالـــــه

عقلــي و روحـــــي محمد ... ماشفيت من حسن جماله

الصلاة عليه وسلــــم ... قدر رمل الارض وحصاهــــــا

ونبات الارض وما يطعـــــم ... وما قطر مطر في سماهــــــا

بعد أن تحدث عن "ليلة الفرج" مع المحبوبة، ينتقل الآن إلى "ليلة الفرج" الحقيقية، وهي مشاهدة نور الحبيب محمد. فمن لم يشاهد هذا النور، فقد أضاع عمره. ويصرح بأن عقله وروحه متعلقان بمحمد، وأنه لم يشبع من حسن جماله. ثم يبدأ بالصلاة عليه صلاة لا نهائية، بعدد حبات الرمل والحصى والنبات وقطرات المطر، وهو أسلوب مبالغة يليق بمقام النبي الكريم.

المقطع الثاني عشر: ذكر صفات النبي

يا اهل الهـــوى قلبي تسلى ... بزيارة حبيب الخاطـــــر

سابغ الشفر كحل النجلــــه ... من به زاهي نتباشــــر

ماأحلا حديث اسمه ماأحلا ... عند الاسلام باديه وحضر

من به يبتعد جهنــــم ... سيد كل سيد شافعــــــها

جد الحسنين ابو القاســـــــــــم ... ابو فاطمـــــــة الزهـــراء طــــــه

يقول إن قلبه قد وجد السلوى والراحة الحقيقية في "زيارة" (ولو بالخيال أو الروح) الحبيب محمد. ويستخدم نفس أوصاف الجمال التي استخدمها للمحبوبة الدنيوية ("سابغ الشفر كحل النجلة") ولكنه يرفعها إلى مقام النبوة. يذكر حلاوة اسمه، وأنه به تبتعد جهنم، فهو سيد الشافعين. ويختم بذكر نسبه الشريف: جد الحسن والحسين، وأبو القاسم، وزوج فاطمة الزهراء، طه.

المقطع الأخير: خاتمة الشاعر

يا اهل الهوى تم نظامـــي ... في مدح الحسن الفايـــــــق

من عليه ثنيت اسلامـــي ... وعلى اهل النور الشــارق

طرزت رسمي و كلامـــي ... ماخفى على من هو عاشق

مازال في امره يتفهــــــم ... كاشف الرموز ومعناهـــــا

قال ابن امسايب لا تهتــــــــــــــم ... رحمة الجليل يترجاهــــا

وطلبت يميتني مسلـــــم ... بحرمه الباتول وباباهــــا

يعلن الشاعر انتهاء قصيدته "تم نظامي"، موضحًا أن غرضها الأسمى هو مدح "الحسن الفائق" (الرسول). ويقول إنه طرز كلماته بأسلوب لا يخفى جماله على كل عاشق حقيقي. ثم يوقع باسمه "قال ابن امسايب"، وهو التقليد المتبع، ويختم بالرجاء والدعاء، راجيًا رحمة الله، وطالبًا أن يموت مسلمًا بحرمة ومكانة السيدة فاطمة الزهراء وأبيها الرسول الكريم. هذا الختام يربط القصيدة كلها بالغاية الأسمى للمؤمن: حسن الخاتمة والرحمة الإلهية.

معلومات حقوق النشر

هذا العمل الأدبي يقع في الملك العام. موقع "البقراج" يقوم بجمع وحفظ ونشر هذا التراث الشعبي مع إضافة قيمة تحليلية ومعرفية له.

نشر وتحقيق: الفنان الشعبي أكرم ليتيم

المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق