قصيدة الحراز للشيخ الحسين التولالي
قصيدة الحراز - الشيخ الحسين التولالي
نص القصيدة
شرح القصيدة بيتاً بيتاً
هذه القصيدة من أشهر قصائد فن الملحون، تحكي قصة صراع بين عاشق وحكيم ساحر يدعى "الحراز" حول فتاة جميلة تدعى "عويشة". القصة عبارة عن ملحمة من الحيل والمكر، حيث يحاول العاشق بشتى الطرق استعادة حبيبته.
المقطع الأول: تقديم الشخصيات"حراز حكيم من الحجاز و طلع للغرب على البراز"
يبدأ الشاعر بتقديم الشخصية المحورية الثانية "الحراز"، وهو حكيم قادم من الحجاز (شبه الجزيرة العربية) إلى بلاد المغرب على حصان أصيل "براز".
"قاري جردابية ديال رومان الزرق يا فهيم و ميسر كذا من حكيم قاري علم التنجيم"
هذا الحراز ليس رجلاً عادياً، فهو واسع المعرفة، يقرأ كتب السحر القديمة ("جردابية") المنسوبة للرومان، ومتفوق على غيره من الحكماء، وضليع في علم التنجيم والنجوم.
"كيحقه و سجيع و فرصة * ومعلم في حرب النساء * و مبلي بالطاسة"
يتقن فن الكلام المنمق "سجيع"، وبارع في الفروسية "فرصة"، وخبير في التعامل مع النساء ومكرهن "حرب النساء"، ومدمن على الخمر "مبلي بالطاسة".
"و سالباه الجلسة بين البنات * جايل عنهم طول الحياة * جال مدن و قريات"
حياته كلها تدور حول النساء، فهو يسافر بين المدن والقرى بحثاً عن صحبتهن.
"خاصاه غزالة عنها يدور * فتش المداين و الدشور* يوم وصل الأزمور"
كان يبحث عن فتاة حسناء "غزالة"، وبعد بحث طويل في المدن والقرى، وصل إلى مدينة أزمور المغربية.
"صاب بنت ظريفة * عذراء و باهية و لطيفة"
هناك وجد "عويشة"، فتاة تجمع كل صفات الجمال والرقة.
"في العود كتخبل و تصيح معاه بالحجازي و شغول الشام"
كانت عويشة فنانة بارعة، تعزف على العود بمهارة فائقة وتغني المقامات الشرقية كالحجازي وموسيقى الشام.
"صايلة بيهم عن جميع الرّيام * و عيوط الغرب مع الكلام"
متفوقة بفنها على كل جميلات عصرها "الريام"، وتتقن أيضاً غناء "العيطة" المغربية.
"حتى ان جاء الحراز مطّور في البلاد * باعوها له حساد * كيحسدوني في هلال الاعياد"
يظهر هنا العاشق (الراوي) لأول مرة، ويشكو من أن حساده باعوا حبيبته لهذا الحراز الماكر الذي وصل البلاد، وكأنهم يحسدونه على فرحته بها التي تشبه فرحة هلال العيد.
"عمل عنها الارصاد في القصر * و سكن بين الواد و البحر"
أخذها الحراز وحبسها في قصر محصن بالسحر والحراس "الأرصاد"، يقع في مكان منيع بين النهر والبحر.
"غابت عني تاج الابكار * سبع ايام افقدت الاخبار * صبح عني بشار"
بعد غياب حبيبته "تاج الأبكار" لمدة أسبوع، جاءه شخص يبشره بمكانها.
"جاء و بشرني بخبار الغزال * عند الحكيم آ من تسال"
أخبره أنها عند الحكيم الساحر الذي أتى إلى المغرب.
"درت خصايل المغاربة * زولت الجلابة و درت كسوة قاضي"
قرر العاشق استخدام الحيلة، فخلع لباسه العادي وارتدى ملابس قاضٍ ليوهم الحراز.
"وصلت باب القصر نطقوا الارصاد... خرج حراز الريم"
عندما وصل إلى باب القصر، ناداه الحراس السحريون، فخرج الحراز.
"قال لي آش عني بيك يا مغربي ؟؟... قلت له : انا قاضي الاسلام"
سأله الحراز عن سبب مجيئه، فأجابه العاشق بأنه قاضٍ جاء ليتبارك منه ويدعوه للطعام.
"و نطق و قال لي معتزلي... انت قاضي خداع * روح في حالك صد عليّ"
لكن الحراز كان أذكى منه، كشف حيلته فوراً ووصفه بالقاضي المخادع وطرده.
"حراز مطور بالاشكال * و انا نرجع له بالحيال * صاحب سيدي رحّال"
بما أن الحراز ماكر، قرر العاشق أن يعود بحيلة جديدة، متنكراً في هيئة مريد للولي الصالح "سيدي رحال".
"درت عشرة بقطاطي دايرين * و شمعهم مشعولين... و حنايا جدبانين كاملين"
أتى ومعه عشرة رجال يتظاهرون بالجذب الصوفي، يحملون الشموع ويدقون على الدفوف.
"دخلنا للدار و القصر * و كرمنا بالعود و الزهر"
استقبلهم الحراز هذه المرة وأكرمهم.
"عاد تلفت لي و قال : نعرف سيدي رحال * حق والي الله بالكمال... جبتوا مذهب هذا الحيال"
مرة أخرى، كشف الحراز الخدعة، وقال لهم إنه يعرف قدر الولي سيدي رحال، لكنهم مجرد محتالين يستغلون اسمه.
"و دار في الارصاد قال كرموهم بالعكاز * فلت خيّك بين الغراز"
أمر حراسه بضربهم بالعصي، فهرب العاشق بصعوبة.
"و حكيت فعاله للبنات * قالوا لي الشّيخات : يالعاشق نمشيوا معاك بالرباعة"
بعد فشله مرتين، استشار العاشق مجموعة من الفنانات "الشيخات"، فاقترحن عليه حيلة جديدة: أن يذهبوا معه كفرقة موسيقية.
"لبستني كسوة ذهب و حرير * و انا باقي زين و صغير... كأن عذراء"
تنكر العاشق في هيئة فتاة جميلة "شيخة"، وارتدى ملابس نسائية فاخرة.
"قالوا البنات * يالشيخة زيدي قدامنا * سميناك أمي يامنة"
قادت "الشيخة يامنة" (العاشق المتنكر) فرقة من اثنتي عشرة فتاة فنانة إلى قصر الحراز.
"قلت له جينا لك من فاس... جبت لك رباعة للوناس"
أخبر العاشق الحراز أنهم فرقة من فاس جاءت لتسليه.
"دوى و قال ليّ * فين يا الشيخة ؟؟؟... قال : انت حصلة * و جاية لعندي بمحلة"
للمرة الثالثة، يفشل المكر. كشف الحراز أن "الشيخة" في الحقيقة رجل، ووصفه بالمحتال وطردهم جميعاً.
"قلت أراسي العبيد كينفعوا في الحزة... و زدت اثناعش من العبيد"
فكر العاشق في حيلة أخرى، وهي استخدام العبيد الذين قد يُسمح لهم بالدخول لتقديم الهدايا.
"درت المسّوس * و البسيسة و الزمّيتة... صنعت الميدة بالودع"
أعد هدايا فاخرة من الأطعمة التقليدية والبخور وقدمها على "مائدة" مزينة بالودع.
"زدت انايا عنده و بست يده... دخل هذي الميدة لآلة"
تقدم بنفسه وقبّل يد الحراز، وطلب منه إدخال الهدايا لـ "لآلة" (عويشة).
"دوى وقال لي يا تريكة حام * ليس فيكم صالح... ذهبوا يا شبيهات المعاز"
رفض الحراز الهدية، وشتمهم قائلاً إن العبيد لا خير فيهم، وطردهم.
"وليت لعنده يا رسيخ * غير بوحدي لكن شيخ"
بعد كل المحاولات الفاشلة، قرر العاشق العودة لوحده، ولكن هذه المرة في هيئة "شيخ" (فنان شعبي) حقيقي، دون مبالغة.
"معايا هجهوجي... نطقت بسرّابة مع القصيدة"
أخذ آلته الموسيقية "الهجهوج" وبدأ يغني قصيدة حزينة أمام القصر.
"ناضت عويشة تبعاته * منين سمعوا صوتي وقفوا بزوج"
عندما سمعت عويشة صوته، عرفته فوراً وطلبت من الحراز السماح له بالدخول.
"قالت له تسمع يا حبر... احنا في الغرب الشيخ و النساء * خاوة في الجلسة"
أقنعته بأن من عادات أهل المغرب أن الفنانين "الشيوخ" يجالسون النساء دون حرج.
"خرج العندي و انا كنقرح... و زاد سبقني للسلام"
رضخ الحراز لطلبها، وخرج لاستقبال العاشق ورحب به.
"حتى بغات و رشق ليها * سوات العود في يديها... جبدت الخاتم و الطاسة و قضيب الرّصد"
أثناء الغناء، أخذت عويشة العود وبدأت بالعزف، وفي لحظة غفلة من الحراز، سرقت أدوات سحره: الخاتم والكأس والعصا السحرية.
"قالت اسمع يا حكيم : هذا هو محبوب خاطري... دبا و لّي قرد زيد فرجنا بالتنقاز"
واجهت الحراز بحقيقة العاشق، وباستخدام العصا السحرية، حولته إلى قرد وأمرته بالرقص.
"رداته قرد مجادبي * قالت لي يا طالبي... هاني حصلته ليك"
أخبرت حبيبها بأنها انتقمت له من عدوهما الذي فرقهما.
"قالت لي يا الحبيب * ها الخاتم و الطاسة و القضيب... اقعد نزهاو بزوج في القصر"
أعطته أدوات السحر، ودعته للاحتفال معاً في القصر بينما الحراز القرد يشاهدهما.
"هذا الحراز رجعيه ابن آدم * و آذني للعفريت يشيله للحجاز"
لكن العاشق، في نبل منه، طلب منها أن تعيده إلى هيئته البشرية وترسله مع جني إلى بلاده.
"ضربت الطاس بالقضيب * طلع عفريت ازرق... قالت هذا الحراز عذبه * اديه للحجاز سيبه"
استدعت عويشة جنياً وأمرته بأخذ الحراز إلى الحجاز.
"قال المكي جول في اللغا... يا فاهم الارماز * الغي و فارق قوم الدراز"
يختتم الشاعر "المكي" القصيدة بحكمة، ناصحاً فهيم الرموز بالابتعاد عن أهل الشجار والخصام.
شرح الكلمات الصعبة
- حراز: حارس، وهنا يُقصد به الحكيم العارف بأمور السحر والتنجيم.
- البراز: الحصان الأصيل والقوي.
- جردابية: كتاب قديم للسحر والشعوذة.
- رومان الزرق: كناية عن الرومان أو الأوروبيين قديماً.
- سجيع وفرصة: فصاحة في الكلام وبراعة في الفروسية.
- مبلي بالطاسة: مدمن على شرب الخمر.
- الدشور: جمع دشرة، وهي القرية الصغيرة أو التجمع السكني.
- كتخبل: تعزف ببراعة فائقة.
- شغول الشام: مقامات وأنغام الموسيقى الشامية.
- صايلة: متفوقة وبارزة.
- الرّيام: جمع ريم، وهو الغزال، ويُكنى به عن النساء الجميلات.
- عيط الغرب: العيطة، وهو فن غنائي شعبي مغربي.
- مخنترة: متكبرة ومعجبة بنفسها لجمالها.
- الأرصاد: حراس سحريون أو طلاسم لحماية المكان.
- المجاز: الممر أو المعبر.
- خصايل: حيل وخطط.
- اللبدة: قطعة من الصوف توضع تحت عمامة القاضي.
- هماز: غماز أو كثير الإشارة بالعين، وهنا بمعنى محتال.
- كنّ باز: انقضّ كالصقر.
- بقطاطي: نوع من الدفوف أو الطبول الصغيرة.
- جدبانين: في حالة جذب وتصوف.
- قاع: أبداً، إطلاقاً.
- ساقر: صامت ومراقب.
- الكبال: سنابل القمح.
- فلت خيّك بين الغراز: نجا أخوك بصعوبة من بين المخاطر.
- الخودات: الفتيات الجميلات.
- طرارات: عازفات على آلة الطار (الدف).
- التحليقة: تسريحة الشعر.
- حايك المحربل: نوع من القماش الفاخر المزين.
- شرابل: جمع شربيل، وهو النعل التقليدي المغربي.
- المعون: الأواني والأدوات.
- بندقنا له: حييناه.
- كيمسّق فيا: يحدق فيّ ويمعن النظر.
- قشلة: ثكنة عسكرية، والمقصود مكان للمبيت.
- المسّوس، البسيسة، الزميتة: أنواع من الأكلات التقليدية المغربية.
- الميدة: مائدة طعام منخفضة.
- قناوي: موسيقى كناوة.
- القرقابات: آلة إيقاعية معدنية تستخدم في موسيقى كناوة.
- هجهوجي: آلة وترية شبيهة بالكمبري، تستخدم في فن الملحون وموسيقى كناوة.
- سرّابة: بداية القصيدة أو مقدمتها الغنائية.
- كنقرح: أغني بصوت عالٍ وشجي.
- حبر: عالم أو حكيم.
- القمبري: آلة وترية تقليدية.
- اللغوز: الألغاز، ويقصد بها الكلام المبطن.
- قرصي: حبيبي أو نصيبي.
- الدراز: الشجار والخصام.
هذا العمل الأدبي يقع في الملك العام. موقع "البقراج" يقوم بجمع وحفظ ونشر هذا التراث الشعبي مع إضافة قيمة تحليلية ومعرفية له.
نشر وتحقيق: الفنان الشعبي أكرم ليتيم